Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 7 جوان, 2008

العناصر الماديّة للعمل التشكيلي
الجهد/ الأداة/ المادّة

 

بقلم : راضية العرفاوي

تعتبر مسألة العناصر المادّيةللعمل الفنّي من بين القضايا المهمّة في الفنون التشكيليّة والتي لاحت مع مفاهيم الحداثة والتجديد منذ مطلع القرن العشرين ، هذا القرن الحافل بالهدم والبناء حيث أسفر عن جملة من الفنّانين المختلفين جذريّا في الرؤى والمواقف
والمضامين والأشكال بحيث نمت التجارب الفرديّة التي اتّسمت بالجرأة والتناول الرافض لكلّ القيم الفنّية الجماليّة الموروثة وذلك بأسلوب لا يخلو من البحث عن المثير والجديد.
وفي خضمّ مختلف هذه التوجّهات الفرديّة التي أثرت مغامرة الفن التشكيلي في القرن العشرين طرحت العديد من المسائل من بينهـــا :

 سيزان وتفكيك المرئي (الثابت)

مازال الغرب في مجمل حديثهم عن الفن الحديث يستعيدون سيرة الفنان سيزان كمقوّض لمفاهيم الفن من العصر اليوناني إلى عصره . وذلك بتأسيس مفاهيم جديدة امتدّت في أعمال لاحقيه من الرواد والفنانين .
لقد قدّم سيزان سلسلة من الاعمال التي تمحورت حول موضوع* الجبل *
غير أنّ أهميّة هذا العمل لا تكمن في مظهره البسيط بل في المعالجة كمعطى تحوّل فيه الواقع الحقيقي إلى الواقع المدرَك ذهنيّا ( أصبح الشكل الحقيقي هوالشكل الذهني)
كمجال لتحرّي الفنّي .
إنّ مشاهد التفكيك المرئي (للثابت) في أعمال سيزان مكّنت عين المشاهد من تمثّل حقيقة العمليّة التصويريّة ومادّيتها من حيث خصوصية المعالجة والإختيارات وطرق التعامل مع مكوّنات العمل التشكيلي وبالتالي التمشّي للجهد المبذول من طرف الفنّان

من هنا أصبح للعمل الفنّي استقلاليّته وتجلّيه الخاص .
هذه الحقيقة المادّية لعمليّة التصوير أصبحت العامل الأساسي للفن الحديث .
لقد أصبح العمل الفنّي يعاش بالمساءلة الموجّهة إليه لا بالقراءة فحسب ، من هنا أصبح من البديهي تمثّل عمليّات الإنزياح عن الواقع المحسوس / المرئي .
هذا الإنزياح الذي مكن الفن من دخول مغامرة تعدّدت فيها التمشّيات والحلول والأساليب والمعالجات والإتجاهات بتعدّد الرواد والفنانين .

*”جبل سانت فكتوار” لوحة للفنان سيزان

 

من التجانس بين العناصر المادّية إلى الإختلاط والتداخل
أصبحت هذه المسألة من ضمن توجهات الفنانين في البحث عن المثير والجديد والإستمرار رغم الهدم . من ذلك نذكر رائد التكعيبين بيكاسو- والتكعيبين عامة –
الذي أدرج تقنية الكولاج والإدماج الفعلي لعنصر مادي من الواقع في العمل التشكيلي
مؤكدا في ذلك على استقلالية العمل الفني واستحضاره لحقيقته الخاصة عبر التناول الرافض للقيم الفنية التقليدية : الجمالية/ الموضوع/ العناصر المكونة
وإنشاء جديد لهدم متواصل (على حسب تعبيره)..
وهي الحقيقة المادية للعمل الفني ; المحمل/ السطح المادي للعمل/ الخامات المستعملة من مواد خام/ الأدوات المستعملة/ آثار الحركة …

خصائص ومعايير جديدة للفن الحديث
أ/
تغيير وتحول في مفهوم الإتساق
من الرؤية التقليدية إلى الرؤية الحديثة
من القواعد الأكاديمية إلى التحرر والتجاوز
ب /
قطع الحدود الفاصلة بين مختلف ميادين الفن المرئي/ فني النحت والتصوير
أفعال وعمليات الحذف والاضافة الربط والتجميع التفكيك التركيب ..وغيرها من أفعال النحت .
ممارسة التصوير في أوضاع جديدة تختلف عن الاكاديميين
ج/
إدراج المجسم كظاهرة تجديد وتجاوز في العمل والمضمون
هنا تغييب جهد الفنان / جسم الفنان وحياده مقابل حضوره عبر اختياراته وقراراته والجوانب الغير معلنة والخفية عبر توظيفه للمجسم ،مثال (الدادائية )
الدادائية…

المجسم في الفن الحديث

منذ سنة 1912 قام بيكاسو بعرض عمله الثوري والمتمثل في الطبيعة الصامتة مع الكرسي المقشّش ،حيث أدرج جزء من اللوح المطلي مع حبل لتجسيم الشكل البيضوي فقد عمل على إدماج عنصر واقعي حقيقي عوض تمثيله إذ أصبح هناك تواصل وحوار بين هذه العناصر المادية والمادة اللونية الصبغية .
لقد كانت تقنية الكولاج هذه شاهدا آخر على التحولات المادية للفن الذي أصبحت حقيقته تتجاوز المعطى التمثيلي للموضوع والعناصر التشكيلية والتكوين بل أصبحت حقيقته المادية متمثلة في :
المحمل ، السطح المادي للعمل ، المواد الخام ، الأدوات ، أثر الفنان الناتج عن حركته الفيزيائية .

و يرجع الفعل الراديكالي في هذه الممارسة (إدماج المجسم ) إلى ” مارسال دوشان ”
عن الحضور الفعلي للمجسم كأشياء مستهلكة Les ready-made 1913الذي أعلن من خلال
تجاوزت ( الشيء التمثيلي ) الذي يخرج عن إطار اللوحة ليصبح واقعا ملموسا يتجه بالتصوير نحو منحى جديد
” يجب إدخال وسائل مختلفة نوع ما على التصوير ” هكذا صرح دوشانعبر مواقفه الثورية تجاه الفن ومفاهيم الفن .
إنّ هذا المفهوم الجديد لمادوية العمل التشكيلي عبر إدراج وإدماج المجسّم تمظهر كواجهة للتجديد في الفن التشكيلي وفق اختيارات وتمشّيات ومواقف الفنان المعلنة وغير المعلنة . فالمجسّم أصبح يثير عدة تساؤلات تشكيلية متمثلة في علاقة المجسم /الجاهز بجهد الفنان ، الحضور والحياد ، كما يمكن تنزيل المجسم ضمن جملة من المسائل والعمليات التشكيلية المتمثلة في : التقديم والتحويل والإيحاء والحضور المبهم …

التقديم لماديته وعلاقته بالتصوير / الإدماج
Représenter L’objet // L’expérience cubiste

تحويل الوجهة وتغيير الوظيفة
Détourner L’objet Réel //De duchamp aux surréalistes

اللافهم السخرية التأويل
une société d’objets //pop art et nouveau réalisme

الإخراج المتميز بالدهشة والإثارة : جوزيف بويس – برتران لافيي
Mises en scène de l’objet //Des Mythologies personnelles

الجهـــــــد – الفعل الحركي – التفكير

إنّ ظهور الفن الحديث في فترة شهدت واقعا متغيّرا باستمرار، قد دفعت بالفنانين للتعبير عن هذا الواقع بمعالجات اتّسمت بديناميكيّة ذات الإيقاع المتوتّر والمنفعل والمتغيّر . “إذ لم يعد العمل مجرّد تجميد للحظة ما في عمليّة الإنتاج الحركي ولكنه تمثيل للعمليّة ذاتها، إذ أصبح التصوير الديناميكي / التصوير الفعلاني ” يعتمد على فعل حركة الفنان الحيوية والنشطة والمنفعلة .
ومن هنا تصبح عملية التصوير مشروطة بالقوانين الفيزيائيّة للحركة وما ينتج عنها من كثافة الخطوط وتداخلها وتشابكها وتناغمها وارتجالها .

لقد شهدت هذه الممارسة لدى جاكسون بولوك القاعدة التي من خلالها أوجد مفاهيم جديدة للفضاء التشكيلي ( اللوحات ذات المقاسات الكبيرة /مساحة مسطّحة لإسقاط اللون عليهــــا ) الذي تمارس عليه عمليات الكتابـــــة الآلية باستعمال تقنيـــــات
( السكب* التقطير * أثر اللطخة …) وأدوات ومواد خاصة ( الدهان *علب مثقوبة لسكب الألوان السائلة* عصا …) تساعد على تحقيق نتاجه الفنّي ، وهي تقنيات ومواد وليدة تجربته المنزاحة عن الأساليب التقليديّة .

ممّ لا شكّ فيه أنّ الأدوات والمواد تولّد تقنيات ومعالجات جديدة ، والمعالجات التي تسعى لإبراز الممارسة الفعليّة التحررية التشكيلية تفرض التوجّه نحو ابتكار وتوظيف أدوات بديلة متجدّدة من ناحية النوعية والخصائص العضوية فهي بالتالي تكشف عن صلتها الوثيقة بالمفاهيم الخاصّة بتمشّي الفنان لحظات تجلّي عمله الفنّي .
يقول سولاج ” إنّ اختيار الوسائل هو الذي يعطي النتيجة لما يحدث أثناء عمليّة التصوير ” . فقد كانت التقنية من هواجسه المساعدة على بحثه التشكيلي والذي ميزه كتشكيلي متفّرد أسلوبا ومعالجة ( اعتماد أدوات من قبيل الفراشي الكبيرة الحجم الخاصّة بالدهان ) ويضيف في قوله ” لم تكن المادّة الفقيرة هي التي تعنينا ولكن الجانب العضوي فيها ” * le coté élémentaire *
فلا غرابة إذا أمام تفرّده من رؤية تعامله مع الخامة السوداء من : قطران ، زفت ، إسفلت صباغ مشروب اللوز . فهي مواد لها خصائص عضوية تتفاعل مع الضوء حيث تحمل شحنات مختلفة من التركيز / إمتصاص الضوء / إنعكاس الضوء ، وهي المسألة التشكيليّة التي يشتغل عليها سولاج . كما أن اختياره للأسود لم يكن بدافع رفض الألوان بل هو من قبيل
اللذّة الذاتيّة ، كما صرّح بذلك وأضاف مؤكّدا على أن فعل التفكير في العمل التشكيلي باعتباره يمثّل مادّية التمشّي والخلق والإبداع الفنّي .

لقد أصبح الإهتمام بمادّية العمل التشكيلي ، المحور الرئيسي في الخطاب التشكيلي لفن الحداثة وما بعد الحداثة .
إذ أصبح الفنّان المعاصر يسعى لتأسيس قاعدة سلوك تستدعي الرغبة الجامحة في جعل نتاجه التشكيلي ذو قوّة تعبيريّة تشهد حقيقته واستقلاليّته .
لذا فإنّ مقومات الحداثة في التجارب التشكيلية الحديثة و المعاصرة تطرح الأسئلة الإبداعية الراهنة المتمثّلة في :

* البحث المتواصل عن كيفيّة تطويع التقنيات والأساليب التشكيليّة في إطار ممارسة ومعالجة فنّية تحمل الخطاب المختلف وتبني المواقف الجديدة .
* تطوّر سياقات ومسارات البحث التشكيلي والبصري وانفتاح الرؤية الفنيّة على أفق التجريب عبر الإختيارات التقنيّة والمفاهيم التشكيليّة ذات الحس التفرّدي والتحرّري .
* تجـــــاوز السند والمسطّح والإطار الثابت نحو التعبير بواسطة التركيبات التثبيتيّة أو المحجّمات التي تلتقي فيها بساطة المواد والأشياء بدلالات المعالجة والتركيب والتقديم التشكيلي .
* الإنفلات من توجيه و إرغامات المادّة واللغة نحو الإحتفاء بعفويّة الذات والأثر والرؤية .
* امتلاك المادّة وتشكيلها ومعالجتها وفق اختيارات تقنية معاصرة ( تبديد مادّية الأثر الصبغي وتقويض ارغامات التقنية )
* تحرير الحس الفنّي وتبديد ” مادّية ” اللغة التشكيلية .

بقلم :راضية العرفاوي
2005

 

 

Read Full Post »